لم استطع النوم، نهضت، وبدون تفكير شغلت جهاز الحاسوب الصغير القابع قرب سريري، وقررت التسكع كالعادة بين المواقع الالكترونية...تفقدت بريدي الألكتروني الأول، والثاني والثالث. بحثت عن جواب لرسالة أرسلتها لصديق تشغله مشاغل الحياة، فلم أجد ردا، فكرت بالكتابة، ثم عدلت. وجدت تعليق تركه مجهول على مدونة قديمة لم أكتب فيها منذ عام يشتم فيها البهائية والبهائيين ويشتمني شخصيا. كتبت ردا محترما كعادتي، ثم انتابني شعور بالتمرد لا أعرف مصدره، وكغير عادتي ازلت التعليق وردي، وكتبت تفسيرا لذلك. ثم قررت المرور بهذه المدونة قرات ما كتبت...مقالة واحدة يتيمه، كتبتها ردا على صديق قديم أتصل بي بعد غياب طويل، استغرب فرحا أنني مازلت أنا بكل شرقيتي، فكتبت المدونة تعليقا على ملاحظته. كنت أنوي الكتابة المتواصلة فيها، ولكنني لم أعرف من أين ابدأ، وكيف أأطرها... كنت حريصة أن تكون شرقية ومُعتبره...فكرت بمداخلات عديدة ولكنها بقيت في ملف المسودات لأنها لم يجتاز امتحان الـ "معتبرة" الصارم الذي وضعته لها...كلما أعود لهذه المدونه، أشعر بشيء من المسئولية تجاه مشروع معلق بدأ ولم يتبلور...أكره المشاريع المعلقة والمشاعر المعلقة...لذلك رأيت أن أبدأ "من وين ماكان" على وجه هذا الصبح...أن أكتب بتسيب (قدر المستطاع)...وبعفوية شرقيّة
صباح الفل لكل الصاحين هنا وهناك، وبعد
الربيع في منطقة شيكاغو رائع...يضيف عليها في نظري شرقية تتصل في ذهني بالنمو والتغير ومعجزة الخلق...ذهبت هذا المساء للتمشي في حارتنا الأمريكية على حافة مدينة شيكاغو بعد شتاء طويل، التقطت عرق نعنع، شممته ووضعته في جيب سترتي الخفيفة، تفقدت شتلة الزعتر التي تعاود النمو كل ما أطل الربيع، تحدثث قليلا مع جارتي التركية وزوجها الفرنسي، تصفحت كتابا ومجلة، تعشيت مع زوجي الأمريكي عشاء أمريكيا معتبرا، طبخته مع بهارات شرقية جدا... صنعت دلة قهوة "ساده"، ترجمت قصيدة لدرويش سأدرسها غدا لطالبي في جامعة أمريكية كاثوليكية ضمن المنهاج الذي قررته لهم، دون رقابة أو حرج ...حاولت مشاهدة برنامج تلفزيزني، مللت، نمت، وها أنا أصحو قبل وجه الصبح بقليل وافتح نافذة مشرعة على عالمي...أحاول أن أرتب يومي قليلا تحسبا لزيارة بعضكم، عادة شرقية نسائية بحته...وأبدأ
كتبت فقرة عن ندوة حضرتها قبل بضعة أيام، ثم أزلتها. ما زالت عقدة "المُعتبر" تتحكم في قدرتي على التسيب في الكتابة...ربما كان الأمر أكثر تعقيدأ... نلف وندور ونعود لموضوع "الهوية"، من نحن وكيف نريد للعالم أن يرانا... كيف نوازن بين شرقيتنا وما صرنا إليه، بين مكانتنا العلمية والوظيفية، ويومنا العادي؟...ماذا نقول، وكيف نبدو؟.. هل يحق لنا أن نكتب بتسيب حين ترتبط مدونتنا بايدولوجية أو قناعة دينية أو قضية تستحق أن نتجاوز فيها ذاتنا لنصير القضية!...هذا التسلسل في التفكير يقودني إلى السجناء السياسيين العرب الذين كتبوا بمزاودة سياسية عن تجربة السجن فشوهوها على حساب قضية، وجردوها من انسانيتها، فصارت مجرد تنظير سياسي، في حين كتب عبد الرحمن منيف، ومحمود سعيد، وسعود قبيلات، وهاشم غرايبة، وأحمد فؤاد نجم وغيرهم بصدق، فأدخلونا معهم دهاليز السجن وغرف التعذيب، وعيون "عزه"، وخلدوا الياسمنة المتسلقة على حافة العدم...مشينا مع سعود حين مشى ووقفنا ننتظره بينما كان يربط حذاءه لنعاود المشي معه...صار للنضال وجها بشريا مألوفا، لم يعد مسخا سياسيا أو خطابا دينيا تخلقه مصالح شخصية تطأ على تفاصيلة، تحورها لترسم تضاريس لعالم تفصل بين الواحد والآخر فيه شكليات وأفكار لم تنضج بعد أو بهدلتها سنين الاجتهاد والتفسير والأراء غير الموضوعيه. أعتقد أن ما كنت أصبو اليه حين بدأت التدوين وما زلت - اختصار المسافة بين التنظير والقضية ببُعدها الانساني البحث، والعيش بعيدا عن زنزانات التعصب التي بناها البعض حول أنفسهم وزجوا فيها أتباعهم ففقدوا القدرة على استنشاق الهواء الطلق، ومراقبة شروق الشمس، والتمتع بالربيع، وممارسة لحظة تواصل حقيقي، تختلج فيه أرواحنا فتلتقى، وتصمت الكلمات